فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

.فصل في سائر منافع الأرض وصفاتها:

المنفعة الأولى: الأشياء المتولدة فيها من المعادن والنبات والحيوان والآثار العلوية والسفلية لا يعلم تفاصيلها إلا الله تعالى.
الثانية: أن يتخمر الرطب بها فيحصل التماسك في أبدان المركبات.
الثالثة: اختلاف بقاع الأرض، فمنها أرض رخوة، وصلبة، ورملة، وسبخة، وحرة، وهي قوله تعالى: {وَفِى الأرض قِطَعٌ متجاورات} [الرعد: 4] وقال: {والبلد الطيب يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبّهِ والذى خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا} [الأعراف: 58].
الرابعة: اختلاف ألوانها فأحمر، وأبيض، وأسود، ورمادي اللون، وأغبر، على ما قال تعالى: {وَمِنَ الجبال جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ ألوانها وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 27].
الخامسة: انصداعها بالنبات، قال تعالى: {والأرض ذَاتِ الصدع} [الطارق: 12].
السادسة: كونها خازنة للماء المنزل من السماء وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ في الأرض وَإِنَّا على ذَهَابٍ بِهِ لقادرون} [المؤمنون: 18] وقوله: {قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاء مَّعِينٍ} [الملك: 30].
السابعة: العيون والأنهار العظام التي فيها وإليه الإشارة بقوله: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وأنهارا} [الرعد: 3].
الثامنة: ما فيها من المعادن والفلزات، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {والأرض مددناها وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رواسى وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ شيء مَّوْزُونٍ} [الحجر: 19] ثم بين بعد ذلك تمام البيان، فقال: {وَإِن مّن شيء إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [الحجر: 21].
التاسعة: الخبء الذي تخرجه الأرض من الحب والنوى قال تعالى: {إِنَّ الله فَالِقُ الحب والنوى} [الأنعام: 95] وقال: {يُخْرِجُ الخبء في السماوات والأرض} [النمل: 25] ثم إن الأرض لها طبع الكرم لأنك تدفع إليها حبة واحدة، وهي تردها عليك سبعمائة {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ في كُلّ سُنبُلَةٍ مّاْئَةُ حَبَّةٍ} [البقرة: 261].
العاشرة: حياتها بعد موتها؛ قال تعالى: {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ الماء إِلَى الأرض الجرز فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا} [السجدة: 27] وقال: {وَءايَةٌ لَّهُمُ الأرض الميتة أحييناها وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ} [يس: 33] الحادية عشرة: ما عليها من الدواب المختلفة الألوان والصور والخلق، وإليه الإشارة بقوله: {خَلَقَ السماوات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وألقى في الأرض رَوَاسِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلّ دَابَّةٍ} [لقمان: 10].
والثانية عشر: ما فيها من النبات المختلف ألوانه وأنواعه ومنافعه، وإليه الإشارة بقوله: {وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق: 7] فاختلاف ألوانها دلالة، واختلاف طعومها دلالة، واختلاف روائحها دلالة، فمنها قوت البشر، ومنها قوت البهائم، كما قال: {كُلُواْ وارعوا أنعامكم} [طه: 54] أما مطعوم البشر، فمنها الطعام، ومنها الأدام، ومنها الدواء، ومنها الفاكهة، ومنها الأنواع المختلفة في الحلاوة والحموضة.
قال تعالى: {وَقَدَّرَ فِيهَا أقواتها في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لّلسَّائِلِين} [فصلت: 10] وأيضًا فمنها كسوة البشر، لأن الكسوة إما نباتية، وهي القطن والكتان، وإما حيوانية وهي الشعر والصوف والإبريسم والجلود، وهي من الحيوانات التي بثها الله تعالى في الأرض، فالمطعوم من الأرض، والملبوس من الأرض.
ثم قال: {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} وفيه إشارة إلى منافع كثيرة لا يعلمها إلا الله تعالى.
ثم إنه سبحانه وتعالى جعل الأرض ساترة لقبائحك بعد مماتك، فقال: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتًا أَحْيَاء وأمواتا} [المرسلات: 25، 26] {مِنْهَا خلقناكم وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55] ثم إنه سبحانه وتعالى جمع هذه المنافع العظيمة للسماء والأرض فقال: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا في السماوات وَمَا في الأرض} [الجاثية: 13].
الثالثة عشرة: ما فيها من الأحجار المختلفة، ففي صغارها ما يصلح للزينة فتجعل فصوصها للخواتم وفي كبارها ما يتخذ للأبنية، فانظر إلى الحجر الذي تستخرج النار منه مع كثرته، وانظر إلى الياقوت الأحمر مع عزته.
ثم انظر إلى كثرة النفع بذلك الحقير، وقلة النفع بهذا الشريف.
الرابعة عشرة: ما أودع الله تعالى فيها من المعادن الشريفة، كالذهب والفضة، ثم تأمل فإن البشر استخرجوا الحرف الدقيقة والصنائع الجليلة واستخرجوا السمكة من قعر البحر، واستنزلوا الطير من أوج الهواء ثم عجزوا عن إيجاد الذهب والفضة، والسبب فيه أنه لا فائدة في وجودهما إلا الثمينة، وهذه الفائدة لا تحصل إلا عند العزة فالقادر على إيجادهما يبطل هذه الحكمة، فلذلك ضرب الله دونهما بابًا مسدودًا، إظهارًا لهذه الحكمة وإبقاء لهذه النعمة، ولذلك فإن ما لا مضرة على الخلق فيه مكنهم منه فصاروا متمكنين من اتخاذ الشبه من النحاس، والزجاج من الرمل، وإذا تأمل العاقل في هذه اللطائف والعجائب اضطر في افتقار هذه التدابير إلى صانع حكيم مقتدر عليم سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا.
الخامسة عشرة: كثرة ما يوجد على الجبال والأراضي من الأشجار التي تصلح للبناء، والسقف، ثم الحطب.
وما أشد الحاجة إليه في الخبز والطبخ قد نبه الله تعالى على دلائل الأرض ومنافعها بألفاظ لا يبلغها البلغاء ويعجز عنها الفصحاء فقال: {وَهُوَ الذي مَدَّ الأرض وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وأنهارا وَمِن كُلّ الثمرات جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثنين} [الرعد: 3] وأما الأنهار فمنها العظيمة كالنيل، وسيحون، وجيحون، والفرات، ومنها الصغار، وهي كثيرة وكلها تحمل مياهًا عذبة للسقي والزراعة وسائر الفوائد. اهـ.

.فصل في أن السماء أفضل أم الأرض؟

قال بعضهم: السماء أفضل لوجوه: أحدها: أن السماء متعبد الملائكة، وما فيها بقعة عصى الله فيها أحد.
وثانيها: لما أتى آدم عليه السلام في الجنة بتلك المعصية قيل له اهبط من الجنة، وقال الله تعالى لا يسكن في جواري من عصاني.
وثالثها: قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا السماء سَقْفًا مَّحْفُوظًا} [المؤمنون: 32] وقوله: {تبارك الذي جَعَلَ في السماء بُرُوجا} [الفرقان: 61] ولم يذكر في الأرض مثل ذلك.
ورابعها: أن في أكثر الأمر ورد ذكر السماء مقدمًا على الأرض في الذكر.
وقال آخرون: بل الأرض أفضل لوجوه:
أ- أنه تعالى وصف بقاعًا من الأرض بالبركة بقوله: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} [آل عمران: 96].
ب- {فِى البقعة المباركة مِنَ الشجرة} [القصص: 30].
ج- {إلى المسجد الأقصى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1].
د- وصف أرض الشام بالبركة فقال: {مشارق الأرض ومغاربها التي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف: 137].
وخامسها: وصف جملة الأرض بالبركة فقال: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ} [فصلت: 9] إلى قوله: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ مِن فَوْقِهَا وبارك فِيهَا} [فصلت: 10] فإن قيل: وأي بركة في الفلوات الخالية والمفاوز المهلكة؟ قلنا إنها مساكن للوحوش ومرعاها، ثم إنها مساكن للناس إذا احتاجوا إليها، فلهذه البركات قال تعالى: {وَفِى الأرض ءايات لّلْمُوقِنِينَ} [الذاريات: 20] وهذه الآيات وإن كانت حاصلة لغير الموقنين لكن لما لم ينتفع بها إلا الموقنون جعلها آيات للموقنين تشريفًا لهم كما قال: {هُدًى لّلْمُتَّقِينَ}.
وسادسها: أنه سبحانه وتعالى خلق الأنبياء المكرمين من الأرض على ما قال: {مِنْهَا خلقناكم وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55] ولم يخلق من السموات شيئًا لأنه قال: {وَجَعَلْنَا السماء سَقْفًا مَّحْفُوظًا} [الأنبياء: 32].
وسابعها: أن الله تعالى أكرم نبيه بها فجعل الأرض كلها مساجد له وجعل ترابها طهورًا. اهـ.

.قال أبو حيان:

جعل: بمعنى صير، لذلك نصبت الأرض.
وفراشًا، ولكم متعلق بجعل، وأجاز بعضهم أن ينتصب فراشًا وبناء على الحال، على أن يكون جعل بمعنى خلق، فيتعدى إلى واحد، وغاير اللفظ كما غاير في قوله: {خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور} لأنه قصد إلى ذكر جملتين، فغاير بين اللفظين لأن التكرار ليس في الفصاحة، كاختلاف اللفظ والمدلول واحد.
وأدغم أبو عمرو لام جعل في لام لكم، والألف واللام في الأرض يجوز أن تكون للجنس الخاص، فيكون المراد أرضًا مخصوصة، وهي كل ما تمهد واستوى من الأرض وصلح أن يكون فراشًا.
ويجوز أن تكون لاستغراق الجنس، ويكون المراد بالفراش مكان الاستقرار واللبث لكل حيوان.
فالوهد مستقر بني آدم وغيرهم من الحيوانات، والجبال والحزون مستقر لبعض الآدميين بيوتًا أو حصونًا ومنازل، أو لبعض الحيوانات وحشًا وطيرًا يفترشون منها أوكارًا، ويكون الامتنان على هذا مشتملًا على كل من جعل الأرض له قرارًا.
وغلب خطاب من يعقل على من لا يعقل، أو يكون خطاب الامتنان وقع على من يعقل، لأن ما عداهم من الحيوانات معد لمنافعهم ومصالحهم، فخلقها من جملة المنة على من يعقل.
وقرأ يزيد الشامي: بساطًا، وطلحة: مهادًا.
والفراش، والمهاد، والبساط، والقرار، والوطاء نظائر.
وقد استدل بعض المنجمين بقوله: {جعل لكم الأرض فراشًا} على أن الأرض مبسوطة لا كرية، وبأنها لو كانت كرية ما استقر ماء البحار فيها.
أما استدلاله بالآية فلا حجة له في ذلك، لأن الآية لا تدل على أن الأرض مسطحة ولا كرية، إنما دلت على أن الناس يفترشونها كما يتقلبون بالمفارش، سواء كانت على شكل السطح أو على شكل الكرة، وأمكن الافتراش فيها لتباعد أقطارها واتساع جرمها.
قال الزمخشري: وإذا كان يعني الافتراش سهلًا في الجبل، وهو وتد من أوتاد الأرض، فهو أسهل في الأرض ذات الطول والعرض.
وأما استدلاله باستقرار ماء البحار فيها فليس بصحيح، قالوا: لأنه يجوز أن تكون كرية ويكون في جزء منها منسطح يصلح للاستقرار، وماء البحر متماسك بأمر الله تعالى لا بمقتضى الهيئة، انتهى قولهم.
ويجوز أن يكون بعض الشكل الكري مقرًا للماء إذا كان الشكل ثابتًا غير دائر، أما إذا كان دائرًا فيستحيل عادة قراره في مكان واحد من ذلك الشكل الكريّ.
وهذه مسألة يتكلم عليها في علم الهيئة. اهـ.

.قال الفخر:

إنه تعالى ذكر أمر السماوات والأرض في كتابه في مواضع، ولا شك أن إكثار ذكر الله تعالى من ذكر السماوات والأرض يدل على عظم شأنهما، وعلى أن له سبحانه وتعالى فيهما أسرارًا عظيمة، وحكمًا بالغة لا يصل إليها أفهام الخلق ولا عقولهم. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَأَنزَلَ مِنَ السماء فاخرج فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقًا لَّكُمْ} عطف على {جعل} و{مِنْ} الأولى للابتداء متعلقة بأنزل أو بمحذوف وقع حالًا من المفعول وقدم عليه للتشويق على الأول مع ما فيه من مزيد الانتظام مع ما بعد، أو لأن السماء أصله ومبدؤه ولتتأتى الحالية على الثاني إذ لو قدم المفعول وهو نكرة صار الظرف صفة، وذكر في البحر أن {مِنْ} على هذا للتبعيض أي من مياه السماء وهو كما ترى.
والمراد من السماء جهة العلو أو السحاب وإرادة الفلك المخصوص بناء على الظواهر غير بعيدة نظرًا إلى قدرة الملك القادر جل جلاله وسمت عن مدارك العقل أفعاله، إلا أن الشائع أن الشمس إذا سامتت بعض البحار والبراري أثارت من البحار بخارًا رطبًا ومن البراري يابسًا، فإذا صعد البخاري إلى طبقة الهواء الثالثة تكاثف فإن لم يكن البرد قويًا اجتمع وتقاطر لثقله بالتكاثف، فالمجتمع سحاب والمتقاطر مطر، وإن كان قويًا كان ثلجًا وبردًا، وقد لا ينعقد ويسمى ضبابًا.
وفي كل شيء له آية ** تدل على أنه واحد

وعلى هذا يراد بالنزول من السماء نشوؤه من أسباب سماوية وتأثيرات أثيرية فهي مبدأ مجازي له، على أن من انجاب عن عين بصيرته سحاب الجهل رأى أن كل ما في هذا العالم السفلي نازل من عرش الإرادة وسماء القدرة حسبما تقتضيه الحكمة بواسطة أو بغير واسطة كما يشير إليه قوله تعالى: {وَإِن مّن شيء إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [الحجر: 21] بل من علم أن الله سبحانه في السماء على المعنى الذي أراده وبالوصف الذي يليق به مع التنزيه اللائق بحلال ذاته تعالى صح له أن يقول: إن ما في العالمين من تلك السماء، ونسبة نزوله إلى غيرها أحيانًا لاعتبارات ظاهرة وهي راجعة إليه في الآخرة. اهـ.

.قال الفخر:

فصل في فضائل السماء وهو من وجوه:
الأول: أن الله تعالى زينها بسبعة أشياء بالمصابيح {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السماء الدنيا بمصابيح} [الملك: 5] وبالقمر {وَجَعَلَ القمر فِيهِنَّ نُورًا} [نوح: 16] وبالشمس {وَجَعَلَ الشمس سِرَاجًا} [نوح: 16] وبالعرش {رَبُّ العرش العظيم} [التوبة: 129] وبالكرسي {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السموات والأرض} [البقرة: 255] وباللوح {فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} [البروج: 22] وبالقلم {ن والقلم} [القلم: 1] فهذه سبعة: ثلاثة منها ظاهرة، وأربعة خفية: ثبتت بالدلائل السمعية من الآيات والأخبار.
الثاني: أنه تعالى سمى السموات بأسماء تدل على عظم شأنها: سماء، وسقفًا محفوظًا، وسبعًا طباقًا، وسبعًا شدادًا.
ثم ذكر عاقبة أمرها فقال: {وَإِذَا السماء فُرِجَتْ} [المرسلات: 9]، {وَإِذَا السماء كُشِطَتْ} [التكوير: 11]، {يَوْمَ نَطْوِى السماء} [الأنبياء: 104]، {يَوْمَ تَكُونُ السماء كالمهل} [المعارج: 8]، {يَوْمَ تَمُورُ السماء مَوْرًا} [الطور: 9]، {فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان} [الرحمن: 37] وذكر مبدأها في آيتين فقال: {ثُمَّ استوى إِلَى السماء وَهِىَ دُخَان} [فصلت: 11] وقال: {أَوَ لَمْ يَرَ الذين كَفَرُواْ أَنَّ السماوات والأرض كَانَتَا رَتْقًا ففتقناهما} [الأنبياء: 30] فهذا الاستقصاء الشديد في كيفية حدوثهما وفنائهما يدل على أنه سبحانه خلقهما لحكمة بالغة على ما قال: {وَمَا خَلَقْنَا السماء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا باطلا ذلك ظَنُّ الذين كَفَرُواْ} [ص: 27]، والثالث: أنه تعالى جعل السماء قبلة الدعاء: فالأيدي ترفع إليها، والوجوه تتوجه نحوها، وهي منزل الأنوار ومحل الصفاء والأضواء والطهارة والعصمة عن الخلل والفساد.
الرابع: قال بعضهم السماوات والأرضون على صفتين، فالسماوات مؤثرة غير متأثرة.
والأرضون متأثرة غير مؤثرة والمؤثر أشرف من القابل، فلهذا السبب قدم ذكر السماء على الأرض في الأكثر، وأيضًا ففي أكثر الأمر ذكر السموات بلفظ الجمع، والأرض بلفظ الواحد، فإنه لابد من السموات الكثيرة ليحصل بسببها الاتصالات المختلفة للكواكب وتغير مطارح الشعاعات، وأما الأرض فقابلة فكانت الأرض الواحدة كافية.
الخامس: تفكر في لون السماء وما فيه من صواب التدبير، فإن هذا اللون أشد الألوان موافقة للبصر وتقوية له، حتى أن الأطباء يأمرون من أصابه وجع العين بالنظر إلى الزرقة، فانظر كيف جعل الله تعالى أديم السماء ملونًا بهذا اللون الأزرق، لتنتفع به الأبصار الناظرة إليها، فهو سبحانه وتعالى جعل لونها أنفع الألوان، وهو المستنير وشكلها أفضل الأشكال، وهو المستدير، ولهذا قال: {أَوَ لَمْ يَنظُرُواْ إِلَى السماء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بنيناها وزيناها وما لَهَا مِن فُرُوجٍ} [ق: 6] يعني ما فيها من فصول، ولو كانت سقفًا غير محيط بالأرض لكانت الفروج حاصلة. اهـ.